أوفت سيدة بنذرها الأحد الماضي، حين مشتْ حافية القدمين، لتوصّل ابنتها إلى مدرستها، وسط دهشة كل من رآها، متسائلين عن سبب مشيها بلا حذاء. إلا أن مستوى الدهشة ازداد، حين خرّت ساجدة لله «شكراً»، ما أن وصلت إلى المدرسة، قبل أن تدخل ابنتها الصف، ووجهها غارق في الدموع، لكنها بحسب قولها «دموع الفرح».
وتحدثت أسماء حسن، عن قصة هذا «النذر الغريب». وقالت : « لم يرزقني الله بأطفال لمدة 14 عاماً. وكانت بداية كل عام دراسي تُعدّ من أقسى الأيام التي تمرّ علي، وأنا أرى أخواتي منشغلات بتجهيز أطفالهن للمدرسة، من شراء حاجيات واستعداد تام. وتتحول الدنيا في عيني إلى سواد معتم. وكانت تسبب لي ألماً نفسياً لا أخرج منه إلا بعد فترة طويلة.
وفي إحدى الليالي التي قضيتها في الدعاء رفعت كفي ونذرت لله نذراً أنه إذا رزقني بطفل أن أوصله إلى المدرسة حافية القدمين، وأنا لا أتوقف عن ذكر الله وتسبيحه حتى أصل إلى المدرسة»، مضيفة: «رزقت بابنتي فاطمة، فطرت فرحاً، ولا يزال النذر في بالي حتى تحقق اليوم، حين أوصلتها وأنا حافية القدمين شكراً لله».
ولم تبدِ أسماء اكتراثاً أو خوفاً من نظرات الناس، وموقف ابنتها أمام زميلاتها، وهن ينظرن إلى هذا المشهد الغريب، إذ قالت: «النذر نذر، ويجب الإيفاء به، ولا يهمني ما سيقوله الناس عني، ولم أكن أشعر بأي أحد وأنا أمسك بيد ابنتي، وهي تبدأ حياتها التعليمية، فهذا شعور لن يعرفه إلا من حُرم من الأطفال».
وأثّر موقف الأم في معلمات وأمهات كن حاضرات في المدرسة، إذ استقبلوها بـ «حفاوة»، ودعوا لها ولابنتها، ولم يكن نذر المشي حافية هو الوحيد، بل أضمرت أسماء نذراً آخر، ستحققه حين تتزوج ابنتها، ورفضت الإفصاح عنه، إلا أنها أشارت إلى أنه مكمّل لنذرها الذي لن تنساه.
لم تكن هذه الأم الوحيدة في عالم غرائب نذور أول أيام الدراسة، إذ سبقها أبوان في العام الماضي، ذبحا خروفاً ووزعا لحمه على الفقراء والمساكين، قبل أن يخرج ابنهما من باب المنزل متوجهاً لمدرسته، وذلك إيفاء بنذر نذراه، إن عاش لهما طفل بعد أن توفى أطفال عدة أنجبوهما، إذ يصل عمر المولود إلى ثمانية أشهر ويموت قبل أن يتم عامه الأول، حتى أنجبا طفلهما الأخير. وحين تعدى عامه الأول نذرا هذا النذر ووعدا بالإيفاء به.
ولا تزال حكاية ناصر الخليف وزوجته التي حدثت قبل ثمانية أعوام، مثار دهشة لكل من مرت عليه أو سمعها، فالزوجان زفّا ابنهما إلى المدرسة على ظهر جمل. وقال والده: «دعوت الله يوم ولادته، أنه إذا طال به العمر حتى يدخل المدرسة سأوصله على ظهر جمل إلى المدرسة،
وإكمالاً لذلك سأذبح جملاً، وأقيم وليمة للمعلمين والأصدقاء». وادخر الزوجان مبلغ النذر وأتماه. وفقد الخليف 17 طفلاً قبل هذا الطفل، إذ كان يدفن في كل عام واحد، بعد أن يموت في الشهور الأخيرة من عامه الأول. إلا أن بقاء طفله عبدالله كان بمثابة البلسم له ولزوجته.
ولا تزال أمهات يقمن عادات شعبية في توديع أطفالهن في أول أيام العام الدراسي، إذ تحرص على تقديم الدبس (عسل النخل)، أو العسل الطبيعي على مائدة الإفطار، إلى جانب قرص «المبصل»، وهو البيض المخفوق مع الطحين. وقالت مريم: «هذه وجبة تجعل الطفل نشيطاً ومنتبهاً، واعتادت الجدات والأمهات على تقديمها، لفاعليتها وأثرها الإيجابي على الطفل»،
مضيفة: «هناك أمهات يحرصن على أن يتناول أطفالهن أربع حبات تمر، وكأس ماء به قطرات من ماء اللقاح، وهي عادة قديمة يقال أنها تطرد السموم من الجسم، ولها فاعلية على إحباط الحسد والمس وتنشط الطفل، ومع ذلك تبقى هذه العادة الشعبية حكراً على عائلات بسيطة من دون أخرى، وهي غير منتشرة بكثرة».