يجسد الشاب محمد صورا متعددة للمعاناة طيلة حياته التي تزيد على 23 عاما، متنقلا بين الآلام والهموم التي لا يقوى على تحملها صغير مثله، إذ دفعته قسوة الأحياء للمكوث بين الأموات في المقابر يبث إليهم شكواه لعله يجد لديهم المواساة، تمكن من مجابهة الحياة القاسية بلطف الله، الذي سخر له أهل الخير ليخففوا من مأساته، فالشاب ولد في إحدى المحافظات الجنوبية لأبوين مجهولين، فالتقطه أحد المحسنين من أمام أحد المستشفيات من داخل كرتون فاكهة، ليدخله على أسرته المكونة من زوج وأربعة من الأبناء ويعيش طفولة بريئة مع هذه الأسرة حتى توفي رب هذه الأسرة ولم يبلغ عمره أربع سنوات.
وحين بلغ الصغير الثانية عشرة من عمره دخل في مرحلة المعاناة الحقيقية بعد أن توفيت الأم، إذ طرده الأبناء من المنزل، ومارسوا معه شتى أنواع الإهانات والتعذيب، فاضطر إلى العيش مع أسرة في صبيا، بقي لديهم مدة سنتين، وبعد أن نجا من محاولة طعن، انتقل إلى أسرة في خميس مشيط، وبقي معها مدة عام بعدها انتقل به الحال إلى أسرة في أبها، ثم توجه مكرها إلى بيش، وعاش فيها لمدة ثلاث سنوات في المقابر، هربا من قسوة الأحياء والعبارات الجارحة التي كانوا يوجهونها صوبه، حتى تلقى دعوة من سيدة من أهل مكة تطلب منه العيش مع أسرتها راغبة في كسب الأجر والثواب.
وروى محمد معاناته قائلا: ظروفي القاسية حرمتني من التعليم ولذة الحياة، عشت على ما تجود به الحاويات، افترشت الأرض والتحفت السماء، وحين ضاقت بي دنيا الأحياء، توجهت للمقابر هربا من النظرات القاسية التي كانت توجه لي، والعبارات غير اللائقة التي لا أريد تذكرها، مكثت فيها ثلاث سنوات، تسللت الأمراض إلى جسدي نظرا للأوضاع المزرية التي أعيشها، حاولت الانتحار أكثر من ثلاث مرات، ولكن الله حفظني، مشيرا إلى أنه بقي على هذا الحال حتى قرأت سيدة فاضلة وهي الأم أمينة هوساوي حالته عبر الصحف، وطلبت منه مرافقتها في بيتها في مكة المكرمة.
وذكر أنه وجد لدى السيدة هوساوي كل خير، إذ قالت له: أنت مثل أبنائي تأكل مما نأكل وتلبس مما يلبسه أبنائي وتقاسمنا اللقمة الهنيئة، وخصصت له إحدى غرف بيتها سكنا ومأوى، وكانت تكسيه من أجود الثياب والملابس، وعمدت على تحفيظه القرآن الكريم، وحفظ 10 أجزاء منه على الرغم من أنه لا يقرأ ولا يكتب، معتمدا على سماعه من المذياع والتلفاز.
وأفاد، أن بعض الجيران شرفوه برفع الآذان في مسجد الحي دون مقابل، مؤكدا أنه يعيش راحة مع والدته أمينة هوساوي، ويتمنى أن يحصل على هوية تثبت انتماءه لهذا الوطن الغالي، الذي لا يعرف غيره، إضافة إلى أن يكمل نصف دينه بالارتباط بزوجه صالحة.